أحمد مرعي يكتب: مواسم الخداع.. حين يُخدَع الناس بأحلام مُعلّبة
ابتسامات عابرة، وأكاذيب مكرّرة، وعقول تُستخف كل «دورة»

مع اقتراب كل موسم انتخابي، تظهر على السطح مشاهد باتت مألوفة حدّ السخرية: وجوه غابت لسنوات، عادت فجأة تطرق الأبواب وتبتسم لكل من تراه.. تمنح دفئًا لا يُطلب، وتنثر مُجاملاتٍ بلا معنى، وكأنها لم تغب ولم تُقصِّر يومًا، حيث يخرج علينا البعض بوجه جديد، وملامح ودودة وصوت منخفض، يتسلّحون بورقة “الاهتمام المفاجئ”، ظنًّا منهم أن الناس قد نسيت، أو أن الذاكرة الشعبية قصيرة المدى، تمحو السنوات بالتصوير والابتسامات.
تجدهم يُجيدون تقمص دور «ابن البلد»، الذي يشعر بمعاناة الناس فجأة، ويتجوّل في الأسواق، ويتبادل الأحاديث مع الفقراء والمحتاجين، وكأنهم لم يكونوا بالأمس في قصورهم التي لا تصلها معاناة أحد، ومكاتبهم المترفة، يوزّعون كلمات دافئة باردة لا تُشبع جائعًا ولا تُغني فقيرًا، وينثرون وعودًا يعلمون جيدًا أنهم لن ينفذوا منها شيئًا.
هؤلاء لا يأتون وحدهم، بل تصحبهم مجموعة مدرّبة من سماسرة الأصوات، وتجار الحاجة، الذين لا يمتنعون عن المساومة على أوجاع الناس مقابل مكاسب انتخابية، حيث أنهم حولوا الانتخابات إلى سوق تِجارة سياسي، يُساوم فيه على الكرامة مقابل «كرتونة»، أو «مبلغ بسيط»، أو حتى «وعد بوظيفة»، وسرعان ما يتبخّر بعد ظهور النتائج.
تتكرر نفس الوجوه، ونفس الجولات، ونفس المشاهد المسرحية المبتذلة: صور مع الأطفال، جلسات مع كبار السن، خطابات محشوة بالوعود، وكأننا نشاهد نسخة رديئة من مسلسل قديم، نعرف نهايته مسبقًا، ولكن رغم الملل والسخط، لا تزال هناك فئة من الناس تصفق وتُصدّق، إمّا بدافع الألم أو الأمل، فيستمر هؤلاء في إعادة تدوير الفشل، وتوريث الخيبة جيلًا بعد جيل.
المشكلة لا تكمن فقط في المرشحين، بل فينا أيضًا، حين نرضى بالقليل ونُلدَغ من نفس الجُحر مرارًا، مع أننا نعلم جيداً أن الصوت الانتخابي ليس مجرد ورقة تُلقى في صندوق، بل هو شهادة أمام الله والتاريخ، لا يجب أن تُمنح لمن يتذكرك وقت الحاجة، ثم ينسى اسمك بعد الوصول، ولا لمن تاجر بهمّك وساوم على ضعفك.
نحتاج الآن أن نفيق، أن نكسر دائرة الابتزاز العاطفي والمعيشي، وأن نمنح أصواتنا لمن يستحقها، لمن يعرفنا في وقت القوة كما يعرفنا في وقت الانتخابات، لمن له مواقف لا شعارات، وأثر لا صور.
فإما أن نُعيد تشكيل الواقع بأيدينا، أو نظل أسرى لابتسامات موسمية، ووعود مؤقتة، وضمائر مُعلّقة لا تفي بشيء.