بريد الكتابمميز

بين عرق الشَّرف.. وعُرّي المنصات

كتب/ أحمد مرعي

في الوقت الذي تستيقظ فيه آلاف الأُسر المصرية مع بزوغ الفجر، لإرسال أبنائها وبناتها إلى العمل، لا تزال “اليومية” في كثير من المناطق لا تتجاوز 130 جنيهًا، مقابل ساعات طويلة من الجهد البدني داخل المصانع، وورش العمل، والمزارع، وسط ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، لا تحتمل رفاهية أو تهاون.

هذا هو حال فتيات وشباب في مقتبل العمر، يعملون بكرامة، ويكدّون من أجل مستقبل نظيف، لتأمين مصاريف دراستهم، أو المساعدة في إعالة أسرهم، أو تجهيز أنفسهم للحياة، رغم ضيق ذات اليد وارتفاع تكاليفها.

في المقابل، تقف على الطرف الآخر من المعادلة ظاهرة اجتماعية آخذة في التمدد: محتوى “التيك توك”، حيث باتت الشهرة والربح السريع في متناول من يقدّم محتوى فارغًا، رخيصًا، أو صادمًا، يفتقر إلى القيم، ويعتمد على إثارة الجدل، والتخلي عن الخصوصية، بل أحيانًا الكرامة !

في لحظة واحدة، قد يكسب صانع محتوى تافه أو مبتذل ما لا يستطيع عامِل أو عاملة مجتهدة تحقيقه خلال شهور من الكدّ. وفي زمن المنصات المفتوحة، أصبحت المعادلة شديدة الظلم: الجهد لا يُكافأ، بينما الجُرأة على الخطأ تُكافأ.

إن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في المقارنة القاسية بين “عرق الحلال” و ”فلوس التيك توك”، بل في التأثير التراكمي على القيم المجتمعية، وعلى رؤية الجيل الجديد لمعنى النجاح والعمل والكرامة.

إذا استمرت هذه المفارقة دون معالجة أو توعية، فنحن أمام انزلاق بطيء في وعي المجتمع، حيث يصبح “الترند” بديلاً عن القدوة، والربح السريع بديلاً عن الجهد الشريف.

وإذا كانت الدولة تبذل جهودًا لتمكين الشباب، فإن الدور الثقافي والإعلامي والتربوي يجب أن يتعاظم، حتى لا يتحوّل التيك توك من منصة ترفيه إلى أداة لهدم منظومة القيم التي طالما تميّز بها المجتمع المصري.

في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على أسرة تُربّي، ومُعلّم يُنقّي، وإعلام يُنير، حتى لا يُصبح التعب عيبًا، والشهرة غايةً تُبرر الوسيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − ستة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى