تقاريرمميز

«بعد سنوات من الغربة».. الموت يغيّب فقيد الشباب عصمت الديب بالكويت

استشهد بعد سقوطه أثناء عمله في قسيمة قيد الإنشاء بالمطلاع

تقرير: أحمد مرعي

الأربعاء الموافق 15 يناير 2025، خيمت حالة من الحزن والصدمة على مركز دار السلام بمحافظة سوهاج لوفاة شاب من خيرة شبابه في حادث سقوط من أعلى قسيمة قيد الإنشاء أثناء العمل في منطقة المطلاع بالكويت.

أكثر من 10 سنوات قضاها الشاب «عصمت الديب عمران»، مغترباً، بعيداً عن وطنه وأهله، في أحضان عابرة بين كل تذكرة وأخرى مع زوجته وأولاده، ولقاءات متقطعة مع أخوته، وفراق والداته (عليها رحمة الله)، وأحبابه.

تلك الغربة لم تكن محطة عابرة، بل قَدر امتد معه حتى النفس الأخير.. فالغربة هي الفاجعة التي يُدركها كل مُغترب على مراحل، ولا يُستكمل الوعي بها إلا بمرور الوقت، فصدقاً إنها أقسى شعور يمكن أن يمر به الإنسان، بعيداً عن أهله ومعارفه وأصحابه.. بعيداً عن أرضه ووطنه.

في قصة من مئات القصص، انتهت حياة الشاب «عصمت»، بعد ان خرج في صباح يكسوه طقس الشتاء القارس، متجهاً إلى عَملِه برفقة صديقه الشاب «س.ح» من أبناء جلدته، إلى مدينة المطلاع (الوجهة الأخيرة للشهيد وهو على قيد الحياة)، والتي تَبعد عن مسكنِه عشرات الكيلومترات، تلك المنطقة التي لا يوجد بها حياة فهي مدينة قيد الإنشاء يعتبر الوصول إليها عناء، والعمل فيها شقاء.

القصة على لسان الرواي

بدأت القصة، عندما تبادل الشهيد عصمت عليه رحمة الله، وصديقه الشاب «س.ح» بعد وصولهم موقع عملهم (موقع الحادث) قبل البدء في العمل الأحاديث عن الحياة ومراراتها، وعن الغربة وقسوتها، شاكياً كل منهما ظروفه للآخر، متبادلين همومهما، وكأنهم يدركون بأنها النهاية !!

توكل كلاً منهما على الله حاملاً  أدوات عمله كـ «نجار» داخل القسيمة ويبعد كلاً منهما عن الآخر عشرات الأمتار، فحسب رواية الراوي «س.ح»، أنهم من وقت لآخر يتبادلان الأحاديث بصوت مرتفع ليطمئن كلاً منهما على الأخر، حيث يقول «س.ح»: «مرت أكثر من ساعة ولم أسمع للشهيد عصمت صوتاً، وأنا أفكر حينها أين هو الآن، في اعتقاد مني أنه خرج ليتوضأ حتى يجهز لصلاة الظهر، إلا وقد دخل (المقاول) فتحدث معي قليلاً عن العمل ثم سألني عن عصمت، لأجيبه بأنني لا أعلم، فـ منذ ساعة لم أشاهده أو أسمع له صوتاً».

وأكمل: «أخرجت هاتفي لأقوم بالإتصال به حيث أسمع صوت هاتفه في مكان بعيد، تتبَعت صوت الهاتف وأنا بالطابق الثاني موقع سقوط الشهيد، لإنظر من الأعلى إلى الأسفل مكان صوت الهاتف لأجد الشهيد عصمت ملقى على وجهه، ومن الواضح من المشهد انه فارق الحياة، لأجد نفسي أصرخ وأركض كالطفل، حينها دخل علينا مواطن كويتي سمع الصوت من موقع عمل آخر، وأتى إلينا سريعاً ليجدنا أمام هذا المشهد الصادم، الصعب والمؤلم».

وأضاف: «أخرَج المواطن الكويتي هاتفه واتصل بالإسعاف أولاً، لتأتي خلال أقل من 10 دقائق، ويبلغنا طاقمها الطبي بوفاة الشهيد، وهنا حبست أنفاسي، وازداد الألم ألماً، والعجز عجزاً، لأجد نفسي بين أحضان المواطن الكويتي وهو يواسيني وكأنني طفل صغير، وخلال ساعة انتقل أفراد الأمن إلى موقع الحادث، لتحديد سبب الوفاة ونقل الجثة إلى الأدلة الجنائية.

إجراءات نقل الجثمان من الكويت إلى مصر

تعاون شباب قرية بني خالد، بمشاركة اصدقاءهم من عموم مركز دار السلام وسوهاج، وقنا، معاً، على إنهاء إجراءات نقل جثمان الشهيد إلى مثواه الأخير، في بلده، متسابقين مع الزمن على مدار 24 ساعة، ليتواجد كلاً منهم بين مخافر الشرطة، وقسم التحقيقات، والأدلة الجنائية، والقنصلية المصرية، ومكاتب حجز الطيران.

في الساعة التاسعة من مساء الخميس، غادر جثمان الشاب عصمت إلى سوهاج، ليصل المطار الساعة الأولى من صباح يوم الجمعة، وفي استقباله أهله وأحبابه وأصدقاءه، جميعهم ينتظرون في ليلة شديدة البرودة، بقلوب يملؤها الحزن وأعين تملؤها الدموع، ليحملوه إلى مثواه الأخير بمقابر أولاد يحي في «نجع عمار»، في مشهد مُهيب، شارك فيه الصغير قبل الكبير، من جميع أنحاء مركز دار السلام بنجوعها وقراها.

رحم الله الشهيد، وأسكنه فسيح جناته بجوار الشهداء والصديقين، وألهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى