أسفر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا عن حصيلة ثقيلة في الأرواح، تقدر بالآلاف. وفي وقت تتواصل فيه جهود الإنقاذ وتنظيم المساعدات نحو المناطق المتضررة، تطرح جملة من الأسئلة حول الزلازل، بينها هل يمكن استباق حدوثها؟ وإن كانت الدول العربية قادرة على مقاومة ارتجاجاتها؟ وما هي المعايير المفروض اعتمادها معماريا وفي البنى التحتية لأجل التقليل من خسائرها؟ وإن كانت الحيوانات تساعد الإنسان على تحديد موعد وقوعها؟ كل هذه الأسئلة طرحناها على أستاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل عطا إلياس، وفقاً لـ «فرانس24».
يحاول الخبراء المختصون في الزلازل فهم ما حصل في شمال سوريا وجنوب تركيا، إثر الزلزال القاتل والمدمر الذي أودى بالآلاف في البلدين، فيما تتواصل جهود فرق الإنقاذ العثور على أحياء تحت الأنقاض كما تقوم المنظمات الإنسانية والحكومات عبر العالم بتنظيم قوافل المساعدات الدولية نحو المناطق المتضررة.
وبحسب آخر أرقام رسمية نشرت الأربعاء، ارتفعت حصيلة قتلى الزلزال، الذي بلغ 7,8 درجات إلى أكثر من 9500 منهم 2547 على الجانب السوري. ولم تصمد العديد من البنايات أمام قوة هذا الزلزال.
وقال عالم البراكين بيل ماكغواير، من جامعة كلية لندن البريطانية لوكالة الأنباء الفرنسية، أن العديد من المباني “انهارت على شكل طبقات”، موضحا أن “ذلك يحدث عندما لا تكون الجدران والأرضيات متصلة بشكل كاف، فينهار كل طابق عموديا على الطابق السفلي”، الأمر الذي يترك للسكان فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة. كما أن الزلزال ضرب المنطقة في وقت متأخر من الليل.
وهذه الفاجعة تطرح الكثير من الأسئلة أبرزها إن كانت هناك إمكانية لاستباق الزلازل. وهل يمكن جرد أهم المعايير التي يستوجب الالتزام بها عند بناء المدن والقرى للتقليل من الخسائر البشرية والمادية على الأقل؟ وماهي الدول العربية المهددة بشكل أكبر بهذا النوع من الكوارث الطبيعية؟ وهل هذه الدول على استعداد لمقاومتها؟
وإن كان الإنسان يعجز عن التنبؤ بحدوث زلزال في منطقته، هل الحيوانات حسب ما يشاع لها حقا قدرة “خارقة” على إشعار الإنسان بخطر زلزال قادم؟ علما أنه انتشر فيديو بكثافة على مواقع التواصل يظهر طيورا “تتصرف بشكل غريب” قبل حدوث الزلزال في تركيا، وتردد أنها شعرت مبكرا بأن المنطقة كانت تقترب من كارثة. كل هذه الأسئلة طرحناها على أستاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل عطا إلياس.
هل يمكن استباق الزلازل ورصد مواعيدها تفاديا لحدوث كوارث؟
يمكن استباقها عبر الدراسات الوافية وبالتالي يمكن تحديد المناطق المعرضة لخطر الزلازل وقوتها المتوقعة ومعرفة ترددها بشكل تقريبي. وإن كانت الترددات غير ملزمة للزلزال إلا أنها تعطينا فكرة عن قرب وقوع الزلازل. بالإضافة إلى دراسات أخرى، مثل دراسات التشوهات أو ما يعرف بـ”حملات جي بي إس”، وهنا لا أقصد “جي بي إس” المحمول، وإنما أنواع من “جي بي إس” التي تعتمد على قياسات طويلة الأمد ودقيقة أكثر أو عبر الأقمار الاصطناعية. كلها يمكن أن تعطينا فكرة دقيقة عن تجمع الضغوطات والتشوهات في القشرة الأرضية في منطقة ما، وبالتالي عن احتمال حدوث الزلازل أو تجمع الضغط في هكذا منطقة الذي قد يؤدي إلى وقوع هزات أرضية في وقت قريب. كل ما ذكرت يعطينا فكرة حول قرب حدوث الزلازل في منطقة ما أو لا. لكن دون القدرة على تحديد موعده وقوته وامتداده بدقة. إلا أن المعطيات التي توفرها وسائل الرصد العلمية تكفي لتحضير منطقة مهددة بالزلازل وسكانها لمقاومته. لأنه لا يوجد أي شيء يمكن أن يمنع الزلزال من الحدوث. لكن يمكننا بسهولة أن نتفادى الكارثة عند وقوع زلزال بالقيام بتدابير استباقية. إذن إجابة عن سؤالك، بهذا المعنى يمكن استباق الزلازل.
ما هي أهم المعايير التي يجب احترامها في بناء المدن والقرى المهددة بالزلازل تجنبا لوقوع كوارث؟
هذه المعايير تعتمد بالأساس على نتائج الأبحاث الجيولوجية في منطقة ما التي توضح بدقة توزع الفوالق بينها الناشطة ونوعية الصخور تحت سطح الأرض، بالإضافة إلى تضاريس المنطقة والمياه الجوفية بها. كل هذه المعطيات تُأخذ بالحسبان عند وضع تخطيط لتشييد المدن يتماشى مع التهديدات الزلزالية المعرضة لها. هناك أيضا عناصر أخرى مثل الفيضانات والانزلاقات الأرضية التي قد تتفاعل مع حدوث الزلزال أو التي قد تحدث بصفة مستقلة.
والمعايير التي تعتمد في بناء المدن والقرى تأخذ بعين الاعتبار نتائج الدراسات الجيولوجية، وأغراض استخدام الأراضي في المنطقة المهددة بالزلازل، حيث تحدد الأمكنة التي تبنى فيها الأبنية ذات الأهمية القصوى مثل المستشفيات والمدارس، وهي بالإجمال تكون في الأماكن ذات التعرض الضعيف للزلازل بعيدا عن المخاطر. وفي الأماكن الأكثر خطرا يسمح بتشييد أبنية للاستخدام غير الدائم التي لا تتطلب وجود بشري مكثف وبصورة دائمة. وهناك مناطق لا يسمح بالبناء عليها بتاتا والتي تقع عموما فوق الفوالق وفي مناطق حساسة جدا للخطر الزلزالي.
ففي كل من هذه المناطق يجب وضع معايير معينة للبناء حيث يتوجب على المهندس الإنشائي أن يضع أسس تتوافق معها حسب درجة خطورة المكان وجدوى المبنى واستخداماته. كذلك شبكة الطرقات الرابطة بين بهذه المناطق يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع الجيولوجي لكل نقطة. وبالإجمال هذه المعايير لا يأخذ بها إذ يتم بناء المدن حسب الواقع الموجود لتوزيع المجتمع والأحياء. فيبنى الخطأ على الخطأ. وبالتالي يزيد من الاعتماد على إقامة أبنية مقاومة للزلازل عوض توزيعها بشكل منطقي وسليم يراعي الطبيعة الجيولوجية للمناطق.
ماهي الدول العربية المهددة بخطر الزلازل وهل هي جاهزة لمقاومة رجاته في حال حدوثه؟
كل الدول العربية تقريبا مهدد بالزلازل، سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، السعودية، اليمن، سلطنة عمان، الإمارات، الكويت بدرجة ما. لكن تتفاوت مخاطر الزلازل بهذه البلدان من منطقة لأخرى، خاصة البلدان الكبيرة مثل السعودية، حيث أن منطقة الرياض هي نسبيا بمنأى عن هذا الخطر، وإنما المنطقة الغربية عند جدة وسواحل البحر الأحمر هي منطقة زلزالية بامتياز وبركانية أيضا. كما أن المنطقة الشرقية هي كذلك معرضة للزلازل التي قد تتولد من “منطقة الانغماس” الموجودة على طول شاطئ العرب الشرقي تحت الساحل الإيراني.
وهذه المنطقة قد تتولد فيها زلازل كبيرة وضخمة جدا تتأثر بها كل دول الشاطئ الغربي لخليج العرب يعني من الكويت والعراق إلى منطقة سلطنة عمان وما بينهما من مناطق. العراق في قسمه الشرقي معرض لخطر الزلازل. لبنان، بالنظر لصغر حجمه هو منطقة زلزالية بامتياز. فلسطين أيضا. الأردن في منطقته الغربية عند غور الأردن والبحر الميت وهي منطقة فوالق وصدوع كبيرة. في شمال القارة الأفريقية، يتفاوت الخطر الزلزالي من بلد لآخر. مصر معرضة للزلازل في منطقة شرق القاهرة وأيضا على حدود البحر الأحمر وخليج سيناء، إنما الساحل الشمالي هو معرض بدرجة أقل لبعده عن الخطوط الزلزالية التي توجد شمال البحر الأبيض المتوسط. ليبيا لديها بعض البراكين وليس فيها خطر الزلازل، لكن يمكن أن يأتيها من ارتجاجات نتيجة زلزال في اليونان أو إيطاليا. تونس نفس الشيء. الجزائر لها فوالق قريبة من شاطئها الشمالي بينما الداخل الجزائري هو بمنأى عن ذلك. المغرب معرض بقوة للزلازل بسبب الفوالق الموجودة فيه. ومن ثم، بلدان الساحل وهي معرضة بشكل أقل وتمتد من موريتانيا حتى السودان.
بالنسبة لسؤالك عن درجة استعداد ها لمقاومة أي زلزال، حقيقة ليس لي معطيات عن كل دولة بهذا الشأن، لكن أعرف أن البلدان العربية التي تتحضر لخطر الزلازل هي قليلة جدا. الأردن متقدم في هذا الموضوع. كذلك الإمارات حديثا أسست لنظام بناء مقاوم للزلازل. قطر أيضا. السعودية بدرجات. الجزائر لديها تاريخ في الزلازل لكن أعتقد أن الجهود المبذولة بهذا الخصوص غير كافية. بالإجمال الدول العربية غير مستعدة بدرجة كافية لحدوث زلازل وتفادي مخاطرها.
انتشر فيديو على مواقع التواصل يظهر طيورا في منطقة الزلزال بتركيا وهي تقوم بـ”تصرف غريب” حسب توصيف ناشريه، معتبرين أنها شعرت بالزلزال قبل حدوثه. فهل بإمكان الطيور والحيوانات عموما أن تخبرنا بإمكانية حدوث الزلازل؟
يمكن للحيوانات عموما أن تشعر بالموجات الزلزالية التي تكون قد انطلقت من نقطة زلزالية قبل وصولها إلى المنطقة التي تتواجد فيها، فهي تسمع الأصوات التي تحدثها هذه الموجات، لأن حاسة سمعها أقوى من حاسة سمع الإنسان. لذلك تتفاعل مع هذه الأصوات قبل وصولها بالقوة القصوى إلى الإنسان.