توصل باحثون في جامعة إيست أنجليا إلى حل لغز طبي عمره 80 عاما حول سبب تلف الكلى لدى الأطفال الذي قتل الكثير منهم خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
ولا يستطيع المصابون بهذه الحالة استقلاب فيتامين D بشكل صحيح، ما يتسبب في تراكم الكالسيوم في الدم ويؤدي إلى تلف الكلى وحصى الكلى.
وأدى ذلك إلى موجة من وفيات الأطفال في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، بعد أن تم تعزيز أطعمة، مثل الحليب والخبز والحبوب والسمن، بفيتامين D في محاولة للقضاء على الكساح عند الأطفال.
وأظهرت الدراسات الحديثة أن الحالة، المعروفة الآن باسم فرط كالسيوم الدم عند الأطفال من النوع 1، ناتجة عن طفرة جينية. لكن من الغريب أن نحو 10% من المرضى الذين يعانون من الأعراض لا يعانون من طفرة جينية.
وقال الباحث الرئيسي الدكتور داريل غرين، من كلية الطب في نورويتش في جامعة إيست أنجليا: “لقد حيرنا هذا حقا. لذلك أردنا أن نعرف بالضبط سبب إصابة هذه الـ 10% بهذه الحالة، ولكن دون الطفرة الجينية التي تم اكتشاف أنها تسببها”.
بدأ اللغز في أوائل القرن العشرين، عندما أصيب أكثر من 80% من الأطفال في أوروبا الصناعية وأمريكا الشمالية بالكساح، ما تسبب في آلام العظام وضعف النمو والعظام اللينة والضعيفة والمشوهة.
وأدى اكتشاف أن ضوء الشمس يمنع الكساح إلى تعزيز الأطعمة بفيتامين D، والذي قضى على المرض بحلول ثلاثينيات القرن الماضي. لكن تفشي تسمم فيتامين D عند الرضع أدى إلى حظر هذا التعزيز في العديد من البلدان الأوروبية بحلول الخمسينيات من القرن الماضي.
وكشف الدكتور غرين: “في عام 2011 ، وجد الباحثون أن بعض الأشخاص يولدون بطفرة في جين CYP24A1، ما يعني أنهم لا يستطيعون استقلاب فيتامين D بشكل صحيح. وهذا يتسبب في تراكم الكالسيوم في الدم، ما يؤدي إلى حصوات الكلى وتلف الكلى، والذي يمكن أن يكون قاتلا عند الأطفال. وكان هذا هو السبب في أن الطعام المدعم بفيتامين D في الثلاثينيات تسبب في التسمم لدى بعض الناس”.
وتابع: “اليوم، لا يدرك البعض أن لديهم طفرة CYP24A1 حتى يصبحوا بالغين، بعد سنوات من تكرار حصوات الكلى ومشاكل أخرى. في معظم الحالات، يتم فحص هؤلاء المرضى ويكتشفون أن لديهم طفرة CYP24A1 والاضطراب المعروف الآن مثل فرط كالسيوم الدم عند الأطفال من النوع 1، أو HCINF1. ومع ذلك، في نحو 10% من مرضى HCINF1 المشتبه بهم، لا يظهرون طفرة واضحة في CYP24A1 ولا يزالون يعانون من مشاكل مدى الحياة دون التشخيص المناسب”.
ولاستكشاف سبب ذلك، تعاون الباحثون في جامعة إيست أنجليا مع زملائهم في مستشفى نورفولك ونورويتش الجامعي ومستشفى جامعة كرويدون والمستشفى الملكي للأطفال في غلاسكو، ودرسوا بيانات 47 مريضا.
واستخدموا مزيجا من التسلسل الجيني للجيل القادم والنمذجة الحاسوبية لدراسة عينات الدم من هؤلاء الـ 10% من المرضى المحيرين.
ونظرت طالبة الدكتوراه نيكول بول، بإجراء تحليل جيني أكثر شمولا في عدد من عينات دم المرضى، ووجدت أن الشكل المادي للجين CYP24A1 في هؤلاء المرضى الواضحين لفرط كالسيوم الدم عند الأطفال من النوع 1 (HCINF1 )، غير طبيعي.
بمعنى أوضح، وجدت الدراسة أن المرضى الذين لديهم الحالة ولكن ليس لديهم طفرة في الجين CYP24A1، لديهم في الواقع جين CYP24A1 مشوه، يُحدث نفس التأثير.
وأوضح غرين: “هذا يخبرنا أن شكل الجينات مهم في تنظيم الجينات – وهذا هو السبب وراء تعايش بعض الأشخاص مع HCINF1 ولكن دون تشخيص نهائي”.
وأضاف: “على نطاق أوسع يتعلق بعلم الوراثة والصحة، نعلم أن الجينات يجب أن يكون لها التسلسل الصحيح لإنتاج البروتين الصحيح، ولكن في طبقة إضافية من التعقيد، نعلم الآن أن الجينات يجب أن يكون لها أيضا شكل مادي صحيح”.
ويبدو أن هذا الاكتشاف قابل للتطبيق على نطاق واسع في مجالات علم الوراثة والصحة بشكل عام. لذا، يخطط الباحثون الآن لدراسة دور أشكال الجينات في اضطرابات أخرى مثل السرطان.
نُشرت النتائج كاملة في مجلة Bone and Mineral Research.