معرفة جميع ما يخص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ خَلْقاً وخُلُقاً ـ مِن الدين ومِن العلم النافع، ولولا ذلك ما ذكره الصحابة رضوان الله عليهم وما نقلوه بكل هذا التفصيل، ولما ذكره علماء السنة والسيرة النبوية في كتبهم وبوّبوا له فصولاً وأبواباً، ومن المعلوم أننا نتقرب إلى الله عز وجل بحب نبينا صلى الله عليه وسلم، ومما يساعد على حبه ويزيده معرفة كل شمائله الخلْقية والخُلقية صلوات الله وسلامه عليه..
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاه الله تعالى وحباه بصفاتٍ خَلْقية عظيمة جميلة، ظهرت على بدنه الشريف وجوارحه الطاهرة، فأوتِيَ من الجمال ما يليق بمثله، فهو أعظم الناس خُلُقاً، وأجملهم خَلْقاً، وأبهاهم صورة ومنظراً، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4). وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناسِ وجهاً، وأحسنهم خَلقاً) رواه البخاري.
قال النووي: “قال القاضي عياض: ضبطناه خلقا بفتح الخاء وإسكان اللام هنا لأن مراده صفات جسمه، قال: وأما في حديث أنس فرويناه بالضم لأنه إنما أخبر عن حُسْن معاشرته (معاملته)”.
وعن جابر بْن سَمُرَة رضي الله عنه قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ (مضيئة) فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القَمَر، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاء، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ القَمر) رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في جبهته) رواه أحمد.
قال ابن حجر: “قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحُسْن في وجهه صلى الله عليه وسلم”.
وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلتُ للرّبَيعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة) رواه الطبراني.
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) رواه البخاري.
والصحابة رضوان الله عليهم كانوا لا يرون وجْهاً أجمل من وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سُئِل البراء رضي الله عنه: (أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا، بل مثل القمر) رواه البخاري. قال ابن حجر في “فتح الباري”: “كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول، فرد عليه البراء فقال: (بل مثل القمر) أي: في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد: مثل السيف في اللمعان والصقال؟ فقال: بل فوق ذلك، وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان”.
وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن رجلا قال له: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا). قال ابن حجر: “وإنما قال: (مستديرا) للتنبيه على أنه جمع الصفتين، لأن قوله: (مثل السيف) يحتمل أن يريد به الطول أو اللمعان، فرده المسئول رداً بليغاً، ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق، والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما، أتى بقوله: (وكان مستديرا) إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معاً: الحُسْن والاستدارة “.
لقد وصف الصحابة رضوان الله عليهم وجه النبي صلى الله عليه وسلم بالشمس أو القمر لأنهم لا يعرفون شيئاً أجمل منهما، ولكنهم أرادوا فقط أن يمثلوا لنا الوجه الشريف بأجمل وأحسن ما يعرفون.
وجمال النبي صلوات الله وسلامه عليه كان مقروناً بالإجلال والإكبار، لقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: (وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سُئِلْتُ أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه) رواه مسلم.
وقد اقترن جماله صلى الله عليه وسلم بصفات أخرى زادته جمالاً على جماله، وحُسْناً على حُسْنِه، ولم يشترك معه صلى الله عليه وسلم في هذه الصفات أحد من الناس أبدا، وذلك مثل رائحة جسده الزكية، وطيب عرقه، وليونة كفيه حتى إنهما كانتا ألين من الحرير والديباج، فعن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: (ما مسسْتُ بيدي ديباجاً ولا حريراً ولا شيئا ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت رائحةً قط أطب من ريح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري. وفي رواية مسلم: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، وما مسست حريرا ولا ديباجاً ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم). قال النووي: “قوله: (أزهر اللون): هو الأبيض المستنير، وهي أحسن الألوان، وقوله: (كأن عرقه اللؤلؤ) أي: في الصفاء والبياض”.
والمعروف أن الناس يذهب عنهم جمالهم بكِبَر سِنهم خاصة عند الوفاة، لكن الجمال النبوي ظل ملازما له صلى الله عليه وسلم إلى يوم وفاته، فعن أنس رضي الله عنه قال واصفا وجه النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته: (كأن وجهه ورقة مصحف) رواه البخاري. قال النووي: ” قوله (كأن وجهه ورقة مصحف) عبارة عن الجمال البارع، وحُسْن البشْرة، وصفاء الوجه واستنارته”.
فائدة:
جمال نبي الله يوسف عليه السلام ثابت كما في قول الله تعالى: {وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}(يوسف:31)، قال الشوكاني: “نفين عنه البشرية لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على أحد من البشر”. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أُعطِيَ يوسفُ شَطرَ الحُسن) رواه الطبراني وصححه الألباني.
وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس وجهاً، فعن البراء رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسَنَ النَّاسِ وجهًا، وأحسَنَهم خُلقًا وخَلْقًا ) رواه ابن حبان.
قال المناوي في “فتح القدير”: “(أُعْطِيَ يوسُف شطْر الحسْن) يتبادر إلى أفهام بعض الناس أن الناس يشتركون في الشطر الثاني وليس كذلك، بل المراد أنه أُعْطِيَ شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه بلغ النهاية، ويوسف بلغ شطرها”.
وقال ابن القيم: “قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أُعْطِيَ يوسُف شطْر الحُسْن): قالت طائفة المراد منه أن يوسُف أوتي شطر الحُسْن الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغ الغاية في الحسن، ويوسُف بلغ شطر تلك الغاية “.
إن معرفة صفات وشمائل نبينا صلى الله عليه وسلم الخَلْقية والخُلُقية مما يُتأكّد على كل مسلم معرفته، ولذلك اعتنى السلف الصالح بنقلها، وهي من خصائصه وعلامات نبوته، فلا يوجد نبي نقل عنه أصحابه كل صفاته الخلقية والخلقية كما نُقِلت عن نبينا صلى الله عليه وسلم.. ثم إن معرفة الجمال الخَلْقي الذي كان عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما يزيد في حبه، فالقلوب والنفوس تتعلق بالجمال كأمر فِطري، فكيف بمن جمع الله له الجمال خَلقاً وخُلقاً؟ وما ذكرناه ما هو إلا بعض صفات الجمال الخَلْقي لنبينا وحبيبنا محمد صلوات الله وسلامه عليه..